تعتبر أفريقيا اليوم ساحة حيوية للتنافس بين القوى الكبرى، حيث تتسابق الدول للاستفادة من ثرواتها ومواردها الطبيعية، خاصة في ظل الأزمات العالمية المتعاقبة التي تخيم على النظام الدولي.
وعلى الرغم من بروز القوى الغربية التقليدية في هذه الساحة، فإن ألمانيا تعمل بهدوء وبأسلوب مغاير لتحقيق مصالحها في القارة الأفريقية، مستفيدة من تعاونها مع تركيا لتعزيز نفوذها في أوروبا وأفريقيا في آن واحد.
وبينما تعتمد دول مثل فرنسا وإيطاليا على الأساليب التقليدية التي تتضمن فرض شروطها على الدول الأفريقية، تبنت ألمانيا نهجًا أكثر دبلوماسية.
حيث تسعى إلى تعزيز العلاقات التجارية والدبلوماسية في القارة، لكنها أيضًا تحقق أهدافًا جيوسياسية عبر تحالفات مع تركيا، التي تشهد صعودًا ملحوظًا في أفريقيا، حسب تقرير تم نشره في صحيفة رأي اليوم المستقلة.
وتشير التقارير إلى أن تركيا نجحت في استغلال الفراغ الذي خلَّفه تراجع النفوذ الفرنسي، خاصة في بلدان مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو.
وعقدت تركيا، في هذه الدول، اتفاقيات عسكرية وتعاونت في مجالات التسليح والتدريب، مما أثار قلق فرنسا التي باتت تواجه تقلصًا في نفوذها داخل القارة وفي الاتحاد الأوروبي.
ووفقًا لمجلة “كومباكت” الألمانية، جرى في تموز 2024 اجتماع سري في برلين بين مسؤولين أتراك وألمان، حيث ناقش الطرفان قضايا عسكرية واستراتيجية تتعلق بأفريقيا.
وكان من بين الحضور هالوك جورجون، رئيس مديرية الصناعات الدفاعية التركية، ونائب رئيس الاستخبارات التركية أحمد جمال الدين تشاليك، ما يشير إلى تنسيق متقدم بين الجانبين في قضايا ذات أبعاد أمنية.
ومن اللافت أن هذه الاجتماعات جاءت بالتزامن مع خطط ألمانيا لسحب قواتها من النيجر بحلول أغسطس.
كما زار وفد تركي رفيع المستوى النيجر في 17 تموز الماضي، مباشرة بعد تغيّر الحكومة هناك، لمناقشة فرص التعاون العسكري، وهو ما يعكس التناغم بين التحركات الألمانية والتركية.
ويشير الخبير الاستراتيجي المغربي محمد البارقي إلى أن ألمانيا تسعى إلى تعزيز مكانتها داخل الاتحاد الأوروبي من خلال دعم النفوذ التركي في أفريقيا، بما يضعف الطموحات الفرنسية للهيمنة على الاتحاد.
كما أن هذا التعاون يتيح لألمانيا تعزيز مصالحها الاقتصادية في أفريقيا بشكل غير مباشر، حيث تستفيد من النفوذ التركي في تلك الدول.
وفي ظل هذا التعاون المتزايد، تتراجع مكانة فرنسا في أفريقيا، مما يضعف موقفها في الصراع على قيادة الاتحاد الأوروبي. يبدو أن ألمانيا تستخدم هذا التراجع لصالحها، لتثبيت مكانتها كزعيم للاتحاد الأوروبي عبر علاقاتها مع دول مثل تركيا، التي تمثل شريكًا تجاريًا رئيسيًا لألمانيا.
إضافة إلى المصالح الاقتصادية، يشترك البلدان في مواقف متقاربة حول قضايا الهجرة، إذ تسعيان إلى الحد من تدفقات المهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، مما يعكس تقاربًا استراتيجيًا بينهما.
يوضح التحالف الألماني-التركي في أفريقيا مدى تعقيد التنافس الدولي في القارة، حيث تسعى القوى الكبرى إلى تعزيز نفوذها بطرق غير تقليدية.
وبينما تخسر فرنسا نفوذها تدريجيًا، تستفيد ألمانيا من هذا الفراغ لتأكيد ريادتها في الاتحاد الأوروبي وتعزيز مصالحها عبر شراكتها مع تركيا.
كما يبدو أن هذا التحالف مرشح للاستمرار، خاصة في ظل التحديات المتزايدة في القارة السمراء والتغيرات الجيوسياسية في النظام الدولي