في الساعة الرابعة وسبع عشرة دقيقة من فجر يوم الاثنين قبل عام من الآن بالتحديد في السادس من شباط 2023، استفاق سكان الشمال السوري المحرر على صوت مدوي من عمق الأرض مع تمايل للأبنية وارتجاج للأرض في مشهد مرعب لم يشهده الناس، ولا حتى جيلان من قبلهم، إنه زلزال كهرمان مرعش الذي سيخلده التاريخ كأحد أبرز الكوارث الطبيعية التي ضربت شمال سوريا وجنوب تركيا، الشمال المحرر الذي يعتبر نصف سكانه من المهجرين، الجميع هنا مثقل بجراحه وآخر ما كان يتوقع شعب المنطقة الذي شهد تقريباً كل أنواع الأزمات زلزالا يضاف إلى سجل الأزمات التي تعصف بالمنطقة، مما فاقم الوضع المتفاقم بالأصل على الصعيد الإنساني.
لم تمض الساعة الأولى بعد الزلزال حتى بدأ يتكشف حجم الكارثة الهائلة التي أصابت المنطقة، انقطاع كامل للتيار الكهربائي وبلاغات هنا وهناك عن أبنية أصبحت ركاما يوازي الأرض وصراخ من بين الأحجار، نساء تستغيث هنا وأطفال تحت الأنقاض هناك وعوائل بأكملها أصبحت في عداد المجهول خلال لحظات فقط، وما إن بزغت شمس يوم الاثنين من التاريخ ذاته حتى أدرك الجميع في المحرر سكانا ومنظمات ومؤسسات حكومية أن ما حصل حدث جلل يفوق ما يمكن تخيله من قدرات استيعابية للمنطقة بأسرها.
بعد الساعات الأولى من الزلزال لم تستوعب المؤسسات والمنظمات هول وحجم الكارثة بعد وعاش المحرر بحالة ضغط وتخبط كبير، وهرع الأهالي إلى الأنقاض كل يريد إنقاذ ذويه وأقاربه لكن حجم الدمار فاق قدرة دول فكيف بمجموعات من الأهالي وسط دمار كبير شمل بشكل أساسي مناطق سلقين وبسنيا وحارم وسرمدا والأتارب وجنديرس وأرمناز وقرى ريف العاصي، ومناطق أخرى بشكل ثانوي.
ولأجل ذلك تم الإعلان عن تشكيل لجنة الاستجابة الطارئة للتعامل مع تداعيات الزلزال من انتشال للعالقين تحت الأنقاض وإسعاف الجرحى وتأمين للعوائل التي باتت في العراء وما تبع الزلزال من تداعيات أخرى كقدوم آلاف السوريين من تركيا إلى المناطق المحررة وارتفاع منسوب مياه نهر العاصي مما أدى إلى غرق بعض القرى على ضفافه بشكل جزئي.
وظهر في الصور التي نشرت للجلسة الأولى للجنة الاستجابة الطارئة ترأس أبو محمد الجولاني للجنة وبحضور رئيس حكومة الإنقاذ ورئيس مجلس الشورى العام ورئيس المجلس الأعلى للإفتاء في الداخل المحرر ومندوب عن إدارة الشؤون السياسية ووزراء الصحة والتنمية والإعلام وغيرهم من الشخصيات العاملة ضمن حكومة الإنقاذ السورية وإدارة المناطق، ترادف عمل هذه اللجنة مع الجهود الضخمة التي بذلتها المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة، تبعها بأيام القافلة الشهيرة التي وصلت باسم “فزعة العشائر” أو “فزعة أهالي الدير” حيث انطلقت قافلة مساعدات إنسانية ضخمة من دير الزور شرق سوريا إلى إدلب الأمر الذي لاقى رواجاً وتفاعلا إنسانيا كبيرا في الوقت الذي لم تحرك الأمم المتحدة ساكنا حينها تجاه الكارثة.
خلف زلزال السادس من شباط الفائت نكبات وأزمات استمرت تبعاتها لما بعد زمن الكارثة وسترافق المنطقة وسكانها لفترة طويلة، حيث أحصي 6000 شهيد و 10000 جريح في الداخل المحرر وانهيار 1143 مبنى بشكل كامل وتضرر 6846 إضافة إلى خسائر تجاوزت الناتج المحلي للشمال المحرر بعشرات الأضعاف، كل هذا ضمن واقع صحي منهار بفعل حرب روسيا وإيران على المنطقة.
وعلى الطرف الآخر.. ميليشيات الأسد التي سعت لاستغلال جراح السوريين لتلميع صورتها الملطخة بالدم سياسياً عبر الادعاء بضرورة استلامها زمام المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سوريا، الأمر الذي أنكره رئيس حكومة الإنقاذ في إدلب عبر عدة تصريحات جاء فيها: “لم يكترث النظام المجرم للأزمة الإنسانية في المنطقة، ففي الوقت الذي كان يتاجر فيه بأرواح ضحايا الزلزال، استهدف بقذائف المدفعية والصواريخ العديد من بلدات وقرى المحرر، وشاهد الجميع أن كثيرا من الأبنية التي انهارت كانت قد تعرضت لقصف الإجرام الروسي سابقا مما جعلها عرضة للانهيار أكثر من غيرها”.
اليوم بعد مرور عام كامل على المأساة يستذكر السوريون القادمون من شتى المحافظات السورية في إدلب وما حولها شريط الصور المؤلمة للضحايا والمصابين وآلاف الاستغاثات من تحت الأنقاض التي بدأت تخبوا وتختفي رويداً لتعلن عن جرح عميق لن ينسى وألم كبير يضاف إلى آلام شعب كتبت عليه المشقة والصبر.