منذ السابع من أكتوبر خلال بدء عملية طوفان الأقصى وما تبعه من حملة قصف عنيفة طالت قطاع غزة واجتياح بري رافقه عشرات المجازر بحق الفلسطينيين لم تفتأ الحكومة الألمانية تؤكد على حق “إسرائيل المشروع” في الدفاع عن نفسها، وبالرغم من عشرات التصريحات الصهيونية الرسمية وغير الرسمية في اعتبار الفلسطينيين حيوانات بشرية أو بشرا من النوع الذي يستحق الإبادة بالسلاح النووي كما لمح وزير الثقافة الصهيوني، إلا أن هذه المواقف لم تثنِ الحكومة الألمانية عن دعم الحرب الإسرائيلية على غزة.
ومن وسط تل أبيب وبعد عشرة أيام فقط على طوفان الأقصى يعلن المستشار الألماني “أولاف شولتز” أن أمن “إسرائيل” مصلحة وطنية عليا بالنسبة لبرلين، ولم يتوقف الموقف الألماني على الدعم السياسي فقط حيث قدمت ألمانيا أسلحة ومعدات عسكرية إلى الكيان الصهيوني وعلّقت المساعدات التي كانت تقدم للفلسطينيين ضمن برامج الأمم المتحدة وربطت استئنافها بما وصفته “تحقيق السلام للدولة الإسرائيلية”.
يتصف الموقف الألماني بالتعقيد تجاه الصراع الحاصل بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي بسبب عقدة الإبادة النازية للهيود وما تبعها من بروباغاندا الهولوكوست حيث تسعى الحكومة الألمانية (المنفتحة على العالم والحليفة لأمريكا بعد الحرب العالمية الثانية) لمحو الصورة القديمة وبناء صورة ذهنية جديدة لألمانيا التي تدعم حق الشعب اليهودي في العيش بسلام.
لكن ما يخفى عن العقل الألماني الحكومي أو ما يخفيه بقصد هو أن الهروب من فكرة “النازية الألمانية ضد اليهود” يوقعها في نازية جديدة وهي النازية الصهيونية القائمة على إبادة العرب الفلسطينيين ذوي الغالبية المسلمة باعتبارهم بشرا لا يستحقون الحياة على هذا الكوكب، مما يضع السياسة الألمانية الخارجية بين نازيتين تهرب من الأولى لتقع في الثانية.
التخبط الألماني لمحو الذاكرة العالمية بخصوص الماضي لم يقتصر على الحرب في غزة فقط، بل شاهده العالم بعد دعم المنتخب للمثليين في كأس العالم قطر 2022 مما أثار ردات فعل سلبية تبعها تصريحات ألمانية عن موقفها وفصل المعتقدات السياسية عن الرياضة.
وعلى عكس دول أخرى ناصرت القضية الفلسطينية كإسبانيا على سبيل المثال، فلا يتوقع من ألمانيا أن تغير موقفها في ظل المنظومة الدولية الحالية ذات الطابع الأمريكي خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية جعلت من مناصرة الاحتلال الإسرائيلي معيار اختبار للحلفاء أو التابعين.