صناعة خيوط لخياطة الجروح ولكن بشكل مختلف تماماً عما نعرفه!
في تطور علمي مبهر، تمكن علماء من كلية العلوم الصيدلانية بجامعة نانجينغ للتكنولوجيا في الصين من تصنيع خيوط عنكبوت اصطناعية باستخدام بروتينات تم إنتاجها بواسطة ميكروبات معدلة وراثيًا.
ويمثل هذا الإنجاز قفزة نوعية في مجال الطب الحيوي، حيث يمكن استخدام هذه الخيوط في علاج الجروح والعديد من الحالات الطبية، مثل التهاب المفاصل العظمي والجروح المزمنة الناتجة عن مرض السكري.
ويعتبر إنتاج خيوط العنكبوت بشكل صناعي تحديًا كبيرًا نظرًا لصعوبة تربية العناكب في مزارع كما يحدث مع ديدان القز، إذ تتفانى العناكب في الدفاع عن مستعمراتها وتقوم بأكل بعضها بعضًا. لهذا السبب، لجأ العلماء إلى استخدام تقنيات الهندسة الوراثية لتحفيز الميكروبات على إنتاج بروتينات خيوط العنكبوت.
كما تمكن الفريق البحثي، بقيادة البروفيسور بينغبنغ غاو، من تعديل تسلسل البروتينات الطبيعية لخيوط العنكبوت لتصبح أكثر استقرارًا وسهولة في الغزل.
وأضاف الباحثون ببتيدات جديدة ساعدت في الحفاظ على هيكل منتظم للخيوط الاصطناعية ومنعت التصاق البروتينات ببعضها، مما زاد من فعالية إنتاج الخيوط.
واعتمد العلماء على طابعة ثلاثية الأبعاد متصلة بإبر صغيرة مجوفة لسحب محلول البروتين في الهواء وغزلها في خيوط رفيعة، ثم نسج هذه الخيوط لتكوين ألياف أكثر سماكة.
هذه الألياف تم استخدامها في صنع نماذج أولية من ضمادات الجروح، حيث يشبه النظام المستخدم “عنكبوتًا صناعيًا عملاقًا” ينسج شبكته الخاصة.
استخدم الباحثون الضمادات المصنوعة من خيوط العنكبوت الاصطناعية لعلاج فئران مصابة بالتهاب المفاصل العظمي وجروح مزمنة ناتجة عن مرض السكري. وقد أظهرت النتائج أن هذه الضمادات ساعدت في تعزيز التئام الجروح بشكل أفضل مقارنة بالضمادات التقليدية.
وفي حالة الفئران المصابة بالتهاب المفاصل، لوحظ انخفاض في التورم وتحسن ملحوظ في بنية الأنسجة بعد أسبوعين من العلاج. أما الفئران المصابة بآفات جلدية بسبب مرض السكري، فقد أظهرت تحسنًا كبيرًا في التئام الجروح بعد 16 يومًا من استخدام هذه الضمادات.
وما يميز هذه الضمادات هو أنها تتحلل بمرور الوقت داخل الجسم دون أن تسبب ضررًا، مما يجعلها خيارًا آمنًا وفعالًا في التطبيقات الطبية.
كما يحمل هذا الابتكار إمكانات واعدة لعلاج الجروح المزمنة، خاصة تلك المرتبطة بأمراض مثل السكري والتهاب المفاصل العظمي، إضافة إلى أن الألياف المصنوعة من خيوط العنكبوت الاصطناعية قد تفتح الباب أمام تطوير أقمشة طبية مستقبلية ذات خصائص ميكانيكية وبيولوجية فريدة.
ولطالما كانت خيوط العنكبوت محل اهتمام كبير نظرًا لخصائصها الفريدة. فهي أقوى من الفولاذ، ورغم متانتها، فإن استخدامها في التطبيقات الصناعية والبيولوجية كان يواجه تحديات كبيرة.
ولكن مع التطورات الحديثة في مجال الهندسة الجينية، يبدو أن هذه المادة الطبيعية ستدخل بقوة في الصناعات الطبية والصيدلانية.
بالإضافة إلى ذلك، يعد سم العناكب مصدرًا غنيًا بالمواد الكيميائية التي قد تكون مفيدة في الأبحاث والعلاجات المستقبلية، مما يعزز من أهمية دراسة هذه المخلوقات الصغيرة.
ويشير هذا الابتكار إلى مستقبل مشرق للتطبيقات الطبية التي تعتمد على مواد طبيعية ومستدامة مثل خيوط العنكبوت.
ومع استمرار الأبحاث والتجارب السريرية، قد تصبح هذه الخيوط الاصطناعية جزءًا أساسيًا من صناعة الضمادات والأجهزة الطبية التي تساعد في التئام الجروح وتخفيف الألم، مما يسهم في تحسين حياة الملايين حول العالم.